الإرادة هي شيء صغير بداخلك، و أنت القادر على تنميته لتتحول أنت نفسك إلى شخص آخر، صاحب طاقة غير عادية. جيوش المسلمين في كل المراحل كانت أقل بكثير من أعدائها في العدد والعتاد.
كل الناس لديهم نفس القدرة، ولكن الفرق في من يفجرها لتتغلغل في كل خلايا جسمه، وتظهر شراراتها في نظرات عينيه، و في عزمات نفسه، و في وصل الليل بالنهار. وهذا من عجائب النفس البشرية التي أودعها الله سبحانه و تعالى فيها: (فإذا سويته و نفخت فيه من روحي ) .
هل يوجد شيء إذا فعلته تفجر الإرادة بداخلك ؟. نعم و هذه هي الوصفة التي سأقولها، وقد فعلها النبي صلى الله عليه و سلم، وطبقها الصحابة أيضا، وتطبقها الدول والأشخاص فينجحون وينتجون، ألا وهي أن يكون لديك هدف، و قدرة على تخيل تفاصيل الهدف، و هذه هي الإرادة.
تعيش تفاصيل هدفك و ترسم أدق تفاصيله .. عندما سأصبح وزير التربية و التعليم سأفعل كذا و كذا في التعليم ... و عندما سأصبح مدير الشركة الفلانية سأفعل كذا و كذا... و عندما سأكسب البطولة الفلانية ... سأسجد شكراً لربنا و سأكون مثال المسلم المتدين الخلوق، ويبدأ الحلم يتغلغل في خيالك وبهذا تخرج الإرادة. كثير من الناس ليس لديهم هدف أصلا، أو يخافون أن يحلموا حتى لا يعيشوا في الخيال، و فعلا يوجد خط فاصل بين أن تعيش في الخيال و بين أن تحلم بهدف، وهذا الخط هو أن تحول الخيال لعمل. بداية الإرادة حلم يسيطر على العقل، (مثلاً: فريق كروي يقول سنفوز بالبطولة) ... فتخرج طاقات غير عادية .
ماالذي غرسه النبي صلى الله عليه وسلم في الصحابة ليحققوا هذه الأشياء البطولية ؟ القدرة على تخيل الجنة . العقل الباطن لا يفرق بين الحقيقة و الخيال، و إذا أقنعته بفكره يراها حقيقة. ينادى النبي صلى الله عليه و سلم عبد الله بن أنيس و يطلب منه أمراً صعباً جدا، فيمشي مسافات رهيبة، ثم يعود، فيقول له النبي: ما فعلت؟ فقال له: فعلتها يا رسول الله. فقال له: يا عبد الله انتظرني لأكافئك. ويدخل النبي صلى الله عليه و سلم بيته و يخرج و في يده عصاه، ويقول: خذ هذه يا عبد الله. فيقول ما هذا يا رسول الله؟ فيقول: يا عبد الله خذ هذه و ردها إلى يوم القيامة أدخلك بها الجنة. فيقول عبد الله فأخذتها من النبي صلى الله عليه و سلم، و الله لا تفارق يدي ليل نهار، و أوصيت أن تدفن معي في قبري لأقابل بها النبي يوم القيامة .
قابل النبي صلى الله عليه و سلم سيدنا حارثة في الصباح فسأله: كيف أصبحت يا حارثة؟ فقال له: أصبحت مؤمنا حقا يا رسول الله....(انظر للبداية الجميلة.. وانظر لنفسك تستيقظ متضايقاً وشاعراً بالملل)، فسأله الرسول أن لكل شيء حقيقة فما حقيقة إيمانك؟ قال: أصبحت و كأني أرى عرش ربي، و كأني أرى أهل الجنة يتنعمون في الجنة، وكأني أرى أهل النار يصطرخون في النار، فعزفت نفسي عن الدنيا، فأسهرت ليلي و أظمأت نهاري. ( قيام بالليل و صيام بالنهار )... و هكذا تخرج الإرادة .
و من الأمثلة أيضا سيدنا سلمة بن الأكوع، العدّاء العظيم في الإسلام، وكان لا يملك حصاناً، وكان يجلس مع النبي صلى الله عليه وسلم، والنبي يتحدث مع الصحابة عن خطة ضد الأعداء، فرؤوا جاسوساً فقال النبي من يأتيني بهذا الرجل و له الجنة؟ ( وبمجرد أن تُذكر الجنة تتفجر الإرادة). فقام ثلاثة: الأول معه جمل فركبه، و الثاني معه بغلة فركبها، و سيدنا سلمة ليس معه شيء، و لكنه قال لنفسه: إنها الجنة. فانطلق الثلاثة وراءه، و يقول سيدنا سلمة: جريت فسبقت صاحب الناقة، ثم جريت وسبقت صاحب البغلة، ثم خارت قواي و كدت أن أسقط، و لكنني قلت لنفسي: ولكنها الجنة، فجريت و جريت حتى اختفى الفارس عن عيني، و لكنني قلت لنفسي: ولكنها الجنة، فجريت وجريت حتى وقف الفارس يستريح، فأدركته، وأمسكت به وقلت له تعال فأنت جنتي .
***************************************************************************
هذا هو المعنى و هذا ما أريده منكم إرادة غير عادية .. أدخل صورة الجنة مع حلمك بعد أن يتحقق ماذا تريد أن تكون صاحب أكبر شركة عالمية في المنتج الفلاني، سوف تنافس الشركات العالمية و تفتخر أنك مسلم و سوف يكون خيراً لبلادي و للمسلمين، و يعلن عن منتجي في الشرق و الغرب، وسيعمل عندي آلاف من الشباب..... عش التفاصيل و بالألوان ليدفعك ذلك إلى الأمام.
النبي صلى الله عليه و سلم استخدم هذه الوسيلة، فيوم بدر كنا قلة و الكفار كثرة، وكنا ضعفاء و هم أقوياء و الموازين مختلة، فكيف نعادل القوى؟ لا شيء غير الإرادة، فقال النبي صلى الله عليه و سلم: قوموا إلى جنة عرضها السماوات و الأرض. فتفجرت الإرادة، وقال عمير بن الحمام: يا رسول الله جنة عرضها السماوات و الأرض؟ فقال نعم، فقال بخٍ بخٍ، فقال لم تقول بخ بخ، فقال أرجو أن أكون من أهلها فقال له الرسول أنت من أهلها، و انتصر المسلمون واستشهد عمير بن الحمام .
حلقة اليوم:
انظر لتفاصيل حلمك و ضع في عقلك الباطن الجنة، لأن غايتنا في النهاية رضا ربنا، و لسنا نريد النهضة من أجل النهضة، أو أنك تريد أن تكون صاحب أكبر شركة عالمية طمعا في الدنيا، لا.. بل نريد رضا الله ونهضة المسلمين و الإسلام . سيكون في عقلك الباطن صورتان، وبهما تخرج الإرادة.
مثل أخر:
أمريكا في فترة كان هدفها الصعود للقمر، وبالطبع أول من قالها قيل عنه إنه مجنون، واستمرت كل الجهود ليصعدوا للقمر و يضعوا علم بلادهم على القمر، حتى تحقق حلمهم.
البداية لتكوين إرادة عالية هو قدرتك على تخيل مشروعك بالكامل. نبينا صلى الله عليه و سلم كان عظيما، ولم يستخدم فكرة الجنة مع الناس جميعا، بل مع من كان إيمانه قويا، أما عندما يأتي رجل مثل سراقة لقتل النبي و يكتشف أنه لن يستطيع، فيقول للنبي أعطني شيئا، يقول له النبي أعدك بسواري كسرى، قال كسرى من؟ كسرى ملك الفرس؟ ولكن لشدة الثقة التي تكلم بها النبي صلى الله عليه وسلم صدّقه، و قال له أتكتب لي كتابا بهذا؟ فقال النبي: يا أبا بكر اكتب له كتابا بهذا، و كان ما يزال على الكفر، وتمر الأيام و يُتوفى النبي، وفي خلافة عمر بن الخطاب تفتح خزائن كسرى، و يُأتى بسواره ... ويقول عمر بن الخطاب أين سراقة بن مالك؟ تعال يا سراقة والبس سواري كسرى، و يبكي كل من في المسجد ويقولون: صدق الصادق الصدوق محمد صلى الله عليه و سلم، و الذي حقق وعده بعد عشرين عاما .
و كلمة نهضة هذه ليست من عندنا، ولكن الله تبارك و تعالى وعد المسلمين بها في قوله {وعد الله الذين آمنوا منكم و عملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض}
[center]